مكالمة تعيد لي الامل
ببطء شديد تمضي الأيام على رندة بريك (٢٧ عام) أم لأربعة أطفال، لا يغادرها القلق ليلاً ونهارًا بحثًا عن منفذ يؤمن لها ولأطفالها الحياة الكريمة خاصة بعد أن خطف الموت زوجها وهي ما تزال في مقتبل العمر.
ورغم ما تعانيه رندة من ظروف اقتصادية ومعيشية صعبة حيث تقطن في غرفة بمنزل مشترك مع عائلة زوجها وإخوته يفتقر لأدني مقومات الحياة إلا أنها لم تدخر جهدًا لتحسين وضعها المعيشي.
تقول ” قبل وفاة زوجي كان يعمل في جمع البلاستيك والحجارة التي يتم إعادة استخدامها، لكن لم يكن يكفينا المال الذي نحصل عليه في توفير متطلبات أسرتي.”
قررت رندة العمل بعد تخرجها من الثانوية العامة من أجل مساعدة زوجها في إعالة أسرتها وتوفير إحتياجات والدة زوجها المسنة والتي تعاني من إعاقة حركية.
توضح بأسى ” بدأت أعمل معلمة في روضة للأطفال براتب شهري ٢٠٠ شيكل أي ما يعادل ٥٥ دولار شهريًا، لكن بعد فترة أصيب زوجي بالسرطان وأصبح غير قادرًا على العمل، وزادت مصاريف أسرتي وأصبحت أتحمل تكاليف كبيرة من أجل تأمين الدواء ومصاريف علاج زوجي.”
رحلة جديدة من المعاناة كان على رندة خوضها، لذا انتقلت رندة للعمل في شركة خاصة لخدمات النظافة لتعمل كعاملة نظافة في واحدة من مستشفيات قطاع غزة براتب شهري قدره ٦٠٠ شيكل أي ما يعادل ١٦٥ دولار شهريًا.
تواصل حديثها ” حينما بدأت أعمل في مهنتي الجديدة، كنت أشاهد الممرضات بداخل المستشفيات فأشعر بغيرة وحسرة وأقول لنفسي لولا ظروفي المادية لكنت أعمل مثلهم.”
لم تستلم رندة لليأس الذي بدأ يتسلل لحياتها قالت ” لقد تحديت كل الظروف وبتشجيع من الممرضات في المستشفى قررت إكمال دراستي وبالفعل حصلت على شهادة تؤهلني للعمل بمهنة قابلة.”
تحملت رندة أعباء كبيرة من أجل استكمال دراستها فقد كانت تعمل بالليل وتواصل دراستها في الصباح وبعد إنتهاء دوامها كان عليها العودة سريعًا للمنزل من أجل رعاية أبناءها وزوجها المريض ووالدته التي لا تقوى على الحركة.
ولم يغب عن بالها وهي تمارس عملها كعاملة نظافة داخل المستشفى حلمها بأن تحظى بفرصة عمل جديد براتب أفضل في مجال دراستها.
تروى بسعادة ” كان ينتابني خوف شديد كلما رن جرس الهاتف خوفًا من أن يكون المتصل أحد الأشخاص ممن كنت أقترض منه المال لتوفير مصاريف حياتنا وتكاليف العلاج يطالبني بسداد الديون المتراكمة علي، لكن الحمد لله تلقيت مكالمة غيرت مسار حياتي وأعادت لي الأمل، المكالمة التي كنت أحلم بها، لم أصدق نفسي حينما هاتفتني الإغاثة الإسلامية تبلغني بتوفير فرصة عمل لي ضمن مشروع التشغيل المؤقت الذي تنفذه بتمويل من الوكالة السويدية للتنمية سيدا.”
تضيف ” لا يمكنني أن أصف الفرحة والشعور الذي غمرني حين وردني الإتصال، لأنني ولأول مرة سأعمل بشهادتي الجامعية، لن أرتدى الزي الخاص بعاملي النظافة بعد اليوم وسأرتدي زي الممرضات، وأعمل في المهنة التي أحببتها.”
توفى زوج رندة في الشهر الأول الذي حصلت فيه رندة على فرصة العمل المؤقتة تقول ” كنت أتمنى لو أن زوجي مازال على قيد الحياة، لقد كنا كلانا ننتظر حصولي على الراتب الأول.”
” فور حصولي على الراتب قمت بسداد بعض الديون المتراكمة كما شراء الأطعمة التي كان يطلبها أبنائي، لقد أدخلتم الفرح على قلوبنا جميعًا.”
وتوضح ” الأن أصبح بمقدوري شراء البيض الذي يكفي أبنائي طوال الشهر وليس ليوم أو يومين.”
وتستكمل حديثها ” لقد تحسن المستوى الغذائي لأبنائي، في السابق لم أكن قادرة على جلب اللحوم والدجاج لهم، الأن أصبحنا نقوم بطهي اللحوم في كل أسبوع مرة.”
ورغم سعادتها بحصولها على عمل استطاعت أن توفر منه لقمة العيش الكريمة لأبنائها، لكن ثمة ألم لازال يحاصرها خاصة وأن المنزل الذي تقطن فيه متهالك وفي كل شتاء تغرقه مياه الأمطار والصرف الصحي.
هذا عدا عن مواجهتها صعوبات عدة في مواصلة العيش بمنزل مشترك مع عائلة زوجها بعد وفاته الأمر الذي لا يتوافق مع العادات والتقاليد السائدة في قطاع غزة، وصعوبة انتقالها لمنزل والدها إذ يعاني هو الأخر من ظروف اقتصادية صعبة، حتى أنها وجدت نفسها باتت تواجه خطر التشرد في أي وقت بعد فقدانها المعيل.
الانتقال للعيش في منزل مستقل يحفظ لرندة وأبناءها العيش بخصوصية أكبر، هو حلماً تتمنى رندة أن تجد من يساندها ليصبح واقعًا.